هائنا ذا في سكون سيد عدم

في المكتبة الميكانيكية الرهطاوية، تصوير كايد أبو الطيف 15 آذار/مارس 2018

هائنا ذا في سكون سيد عدم 28 أيلول/سبتمبر 2011 | كايد أبو الطيف

أنهى مكالمته العصبية بسرعة فائقة، قال فيها الأولاد بعد الدوام الدراسي كلهم فليأتوا الى مخزن الحوش الأمامي. طلب فنجان جديد وزجاجة صودا ليمون. نظر حوله وبعدها غرس ناظريه في عيوني وقال “حل عني. أنا مش ناقصك”. أعطيته الخط الأخضر بجواز السير قدما في توبيخي لأفهمه أكثر، خاصة وانه قبل ساعة من الآن “هشّم”، بيده الواحدة رأس الخبر السري الذي كان يلاحقنا من ساعات الفجر.

ماذا الذي تريده مني؟ فقلت لا شيء. رد أعرف انك لا تبحث عن شيء، لكن لما لك كل تعب البال، ارجع إلى بيتك وأستمر في عيشك الرغيد بعيدا عني فأنا لا شيء كما تعلم، وسأظل هكذا بقيّة حياتي. لم اعرف ما أرد على سخافة ما يقوله علما بأنه الرجل الوحيد الذي وافق على مقابلتي من بين جميع تجار المنطقة المتقاعسين، أهله عن جميع نواحي الحياة على حد تعبيره.

خميس شاب في الأربعين من عمره أنهى المرحلة الابتدائية ليجد نفسه بعدها أكثر من 10 سنوات لا يعرف للحياة إلا رائحة الغنم وروث البقر. تعرف على أشخاص عدّة، من ضمنهم تجار المخدرات. والبقية معروفة جيدا. استطاع الهرب من محطات الفطام مرات كثر. الحشيش على جميع ألوانها لا تجدي نفعا بما هلك من أعصابه المخدرة، والسيد الأبيض، هو سيد موقفه. الكوكايين المخصب في أجود العقاقير الزجاجية الصغيرة التي يجمعها بعد انتهاء محتواها الذي يحقنه بشكل متواتر لابنته المريضة.

خميس. استطعت وهذا بتوفيق كبير إدخال كميات هائلة للنقب من أصناف المخدرات على ألوانها المختلفة. والمنفعة التي أقوم بها لا تقل عن أي مربي أو معلم أو أي مصلح في هذا المجتمع. تعرف؟ لو لم أقم بهذا العمل ماذا سيحصل في مدينتك.

علاقاتي العامة جيدة جدا. لكن قربك مني هذا ما لا أفهمه. ماذا تريد أن تمنحني؟ هل هو المال الذي أنا بغنى عنه أن تهديني إلى جادة الصواب أستطيع فعل هذا وحدي دون مساعدة من أحد، وأنت عديم الجدوى والفائدة. اجبت لا. قاطعني العدم شيء له مدخل. تعرف من أين تسبر أغواره، فلاه في صحراء. أنت أقل من أن تكون عدم.

نظرت إليه أردت التحدث لكني لم أجد ما أقوله. الجلوس أمامه يدفعني فقط للصمت والإصغاء كأن كلامه لوحه من سيمفونيات ريكارد فاغنر بطابعها الحرجي، وعدم التناسق الذي يجعلك تصغي فقط، الإصغاء ما لا يتقنه إلا هو.

يا سيد عدم أريد قبل الذهاب أن اسدي لك نصيحة ضعها حلقة في أذنك، على أمل إيجادها بصورة مرئية فحالكم المتلف يستطيع التمادي في رخاوتكم بالمزيد، لا تنظر إلى هكذا. حاولت بسرعة مراضاته وعدم إزعاجه وقلت له هائنا ذا أصغي، وأكمل لا تظل تنظر إلى كعقبة في الطريق، هذه طريقتي في مساعدة المدمنات قبل المدمنين والصغار قبل الكبار في إيجاد السبل اللازمة لما هو مهدئ لأعصابهم المرهقة.

المال الذي أجنيه أقوم من خلاله باستيراد فتيات الهوى والباقي الإتيان بالأسلحة الخفيفة منها والثقيلة، الكل واحتياجاته. هل لك ألا تستعمل الأسلحة إما في الطوايش العادية بين افراد البيت الواحد. أو عائلتك وعائلة أخرى. أو لا سمح الله في قضايا خدش عار العائلة. تقول في قلبك أنت عار عائلة النقب لك ذلك فأنت عدم لا تفقه من حياتك إلا الأكل والبراز. كالأنعام بل أضل.

لن تفهم جهدي الذي فيه تكمله للمسيرة الطبيعية في سيرورة هذا المجتمع تخيل لو لم أكن موجود فانه سيكون حتما غيري. ربما لن يكون ابن طينتك. فأنا أقرب إليك من أي غريب آخر. سألته هل لي لقاؤه ثانية، أجاب موافق لكن بشرط. خذ هذه الأوراق وأشتر بها الحرير وضعه تحت أقدام جدتك، لأن الجدات أصل الأصل. قلت لم أفهمك. كيف تفهمني وأنت العدم بشطره المجهول. قلت لا أريد منك شيئا.

قال خذ هذه النقود واحرقها أمام مكتب التشغيل في بلدك، وقل للمتقاعسين من الرجال والنساء روحوا موتوا. قلت ليس الكل متقاعس. إذن خذها وأحرق نفسك بها حتى اللقاء القادم. قالها بتحد هذه مشكلتكم أنتم. حاولوا حلها وحدكم. انشغالكم عن الحياة اليومية وأحداثها القاهرة يوم إثر الآخر وأنتم منزوون في جمع بواقي روث مشغليكم من النقود البائسة مثلكم ستقضي حتما على كل حلم من أحلام صغاركم وأنتم أيضا. قلت: آسف لم أفهمك. كيف ستفهمني وأنت على هذا الحال.

نُشر بواسطة HUNA ALJANOUB

هنا إنتاج - كايد أبو الطيف: دراسات ثقافية وتقاطعاتها المعاصرة مع كورونا بصحبة السياسة والاقتصاد

لا توجد آراء بشأن "هائنا ذا في سكون سيد عدم"

أضف تعليق