تأليف: أ.د. أفيشاي مرغليت | ترجمة: كايد أبو الطيف
المجتمع المنصف لا ينتهك كرامة أعضائه المدنية، ليس لديه “مواطنون درجة ثانية”. تعبر حقوق الدرجة الثانية، بصرف النظر عن التمييز في توزيع الموارد وعدم – الرغبة في تقاسم السلطة، فكرة أن المواطن من الدرجة الثانية ليس شخصا كاملا – إنه شخص غير ناضج إلى حد كبير.
المجتمع المنصف هو مجتمع لا يهين أولئك الذين يعتمدون عليه. نظرا لأنها كرامة إنسانية ولا ينبغي إهانة أي أحد، لا يمكن التمييز بين الشخص الذي هو عضو في ذلك المجتمع وبين الشخص الذي يعتمد عليه على الرغم من أنه ليس عضوا فيه. لذا، لم نحدد مجتمعا منصفا كمجتمع لا يهين أعضاءه، بل وسعنا المفهوم وطبقناه على كل من يعتمد عليه.
مفهوم الاعتماد يتطلب توضيحا. المجتمع الهولندي، كإطار الذي شمل فقط المواطنين في هولندا، كان مجتمعا منصفا، أو مجتمعا قريبا جدا من كونه منصفا. لكنه لم يكن كذلك فيما يتعلق بالذين سيطرت عليهم في اندونيسيا؛ لهذا السبب، فإنه من غير المقبول اعتباره مجتمعا منصفا. ينبغي الحكم على المجتمعات الاستعمارية ليس فقط من خلال موقف مؤسساتها تجاه أعضائها في المركز، إنما الأخذ بعين الاعتبار أيضا موقفهم من السكان المحكومين في الهامش.
عندما يشكل المجتمع لأعضائه مجموعة شاملة، عندها يطرح التساؤل حيال طبيعة موقف المجتمع تجاه أعضاءه. هذا سؤال ضيق بشأن مسألة موقف المجتمع حول كل من يعتمد عليه، أعضاء وغير أعضاء. يظهر التساؤل طبيعة الانتماء لنفس المجتمع وكيفية التعبير عن هذا الانتماء له فيما يتعلق بمؤسسات المجتمع. أحد الاسئلة المهمة لتوضيح معالم هوية المجتمع كمجتمع منصف هو: ألا يرفض المجتمع عضوية من يفترض أنهم ينتمون إليه؟ هذا السؤال لا يتعلق فقط، أو أساسا، إلى مشكلة القبول الرسمي للمجتمع، إنما يشير إلى الانتماء إليه.
الإطار الطبيعي لمناقشة المجتمع المنصف هو الدولة القومية. عادة ما تؤدي الدولة القومية دور مجموعة شاملة لمواطنيها. لا يحد التقيد بالدولة القومية من عمومية النقاش، ويمكن لاحقا توسيع المبادئ التي سنصل إليها وتطبيقها أيضا على الأطر الاجتماعية غير التابعة للدولة القومية.
ادعاء: مجتمع منصف لا يضر بكرامة أعصاءه المدنية. صيغة مألوفة أكثر: في المجتمع المنصف لا يوجد “مواطنون من الدرجة الثانية”.
أفترض أن تعبير مواطنين درجة ثانية (Second Class Citizens) مصدره من “درجة ثانية” في القطار. في روما كان لمواطنيها نوع من الامتياز، مثل: التصويت؛ الخدمة العسكرية؛ الحق في أداء الخدمة العامة؛ وكذلك الحق في الدفاع القانوني والملاحقة القضائية. كانت أيضا حقوق خاصة في روما، مثل حقوق الزواج والحقوق التجارية، لكن بين هذه، والحقوق العامة كان هناك فرق حاسم. في فترة معينة اقترحت روما الجنسية على من أحتلتهم من اللاتينيين لكن دون حقوق عامة. وبالفعل، كانت بعض صراعات روما مع جيرانها الإيطاليين تدور حول مدى منح الجنسية للأجانب.
مصطلح روما للمواطنة درجة ثانية، كان بمثابة الحصول على جنسية دون حقوق التصويت. سأطيل في هذه الحيثية لأنها تشير إلى حقيقة مهمة: تعبر حقوق درجة ثانية، باستثناء التمييز في توزيع الموارد وعدم الرغبة في تقاسم السلطة، عن فكرة أن المواطن من درجة ثانية ليس شخصا كاملا – ليس ناضجا بشكل ملحوظ. بهذا المعنى، مواطن درجة ثانية هو شخص تم رفضه ليس فقط من خلال الشراكة الكاملة في المجتمع، إنما من تم رفضه جزئيا من “أسرة الانسان البالغ”. تركز النضال من أجل حق المرأة في التصويت في الديمقراطيات الحديثة حول محور مشابه، ووفقا لتلك الرؤية كان ينظر فيه إلى النساء على أنهن بشر غير مكتملات. المواطنة بطبيعة الحال هي طبقة (وضع) للمجتمع الذي يعرب عنها بمنح الحقوق. التعبير عن مواطنة درجة ثانية يأتي على شكلين رئيسيين: حرمان حقوق المواطنة الكاملة من شخص مواطن، وعدم منح الجنسية لشخص يحق له الحصول على المواطنة.
الشكل الأول لجنسية درجة ثانية يمكنه أن يأتي ليس من خلال حرمان رسمي للحقوق بل من خلال التمييز في تطبيقها. أقصد، عدم احترام منهجي للحقوق المعترف بها. تعبير آخر عن جنسية درجة ثانية، وهو إنكار جزئي لحقوق المواطن المعترف به كمواطن، والحرمان من الحقوق الممنوحة فعليا للمواطنين الآخرين.
يمثل الشكل الثاني لجنسية الدرجة الثانية، حرمان المواطنة الرسمية في الدولة لأولئك الذي يحق لهم أخلاقيا الانتساب للدولة. بدلا من ذلك، يكون للشخص الحق في تحصيل الجنسية لكن وضعيتها مختلفة، وهي أدنى: على سبيل المثال، منح الإقامة الدائمة. هذا، بطبيعة الحال، وضع أقل بكثير مقارنة بأولئك الذين يريدون أن يسووا حالتهم كمواطنين في المجتمع. هذا ليس بالضرورة وضعية أقل لأولئك الذين يعيشون في اطارها، لكنهم غير مهتمون بالحصول على جنسية.
يدعي العرب الفلسطينيون أنهم مواطنون درجة ثانية في الكويت، ويدعون كذلك أنهم مواطنون درجة ثانية في إسرائيل داخل الخط الأخضر. الادعاءان مختلفان. يورد الادعاء المتعلق بالكويت إن الفلسطينيين الذين ولدوا وعاشوا وعملوا طوال حياتهم في الكويت، حرموا من الجنسية الكويتية، على الرغم من كل النوايا والمقاصد الأخلاقية حقهم فيها. في حين أن العرب في إسرائيل يحملون الجنسية الإسرائيلية الرسمية، إلا أن حقوقهم المدنية ألغيت وبعضها الآخر غير مطبق.
مثال العرب في إسرائيل مثير للاهتمام. اليوم، مع الأسف، معظم عرب إسرائيل لا ينظر إلى إسرائيل كمجموعة شاملة يحتاجونها من أجل تقرير مصيرهم. أضف إلى ذلك، الانتماء إليها، بالنسبة لبعضهم، يشكل مصدر إحراج فيما يتعلق بتعريفهم الذاتي. ومع ذلك، رغبتهم في الحقوق المدنية المتساوية لا تقتصر على التوزيع العادل مقارنة لما سيتم توزيعه على المواطنين، على سبيل المثال، القروض الحكومية المريحة للإسكان. ويرون التمييز من قبل المجتمع الذي لا يتعاطفون معه إذلالا، وليس فقط ظلما. التمييز في التوزيع يحمل معه الذل، حتى لو كان المقموع لا يعرّف نفسه من حيث الانتماء إلى المجتمع القامع. يمكنه، من ناحية تقنية، تعريف نفسه على هذا النحو، على سبيل المثال، في مراقبة الجوازات، ولكن هذا المجتمع ليس مكونا أساسيا في تشكيل هويته الذاتية. ومع ذلك، يمثل التمييز في التقسيم المدني مصدرا للمهانة. يأتي الاذلال بحكم الواقع الذي لا تريد للقامع أن يحددك فيه. أنت لا تريد أن تكون معه، لكنك لا تريد أن يقرر لك أنك لا تستحق الانتماء إلى مجتمعه.
من شأن الرفض من مجموعة شاملة أن تذل أيضا أولئك الذين لا يهتمون أن يحسبوا عليها، لكن عندهم حق الانتساب اليها. أضف إلى ذلك، حتى لو كان ما يوشك توزيعه يمثل عبئا، على سبيل المثال الخدمة العسكرية، فإن العرب الإسرائيليين سعداء بعدم خدمتهم، لكنهم ليسوا سعداء لعدم دعوتهم للخدمة. الادعاء الذي أود الترويج له يقول، قضية التمييز ضد منح الحقوق المدنية ليست مجرد مسألة عدالة توزيعية فقط، حول الموارد التي هي على وشك المنح، بل هي أيضا قضية كرامة وإذلال. مواطنة درجة ثانية، بكل أشكالها، مهينة وليست فقط تمييزية. يجب أن تكون المواطنة في مجتمع منصف متساوية، حتى لا تكون مهينة. الشعور الذي يصاحب مواطنة درجة ثانية ليس فقط شعور مواطن من الدرجة الثانية، ولكن أيضا شعور الشخص جودته متدنية (Secund Rate).
يعتقد أرسطو، أن السمة المميزة للإنسان هي كونه حيوان سياسي. وفقا لوجهة النظر هذه، كلما حرمناه لقبه السياسية، يغلب عليه العنصر الحيواني، بمعنى، طرده من مجموعة البشر. نفي اللقب السياسي، وفقا لأرسطو، يمنع الشخص من أن يكون مواطنا، أي شريكا نشطا في حياة البوليس. أرسطو يميز بين مواطن صالح وشخص صالح. مواطن صالح هو صالح كمواطن، لكن ليس بالضرورة أن يكون صالحا كشخص. لكن شخص الذي هو ليس مواطنا، عند أرسطو، ليس شخصا كاملا، وسمه أساسية للإنسان نزعت منه. أنا لا أدعي أن كونه كائنا سياسيا يعتبر سمة أساسية للإنسان. لكنني أقبل الفكرة الأرسطية بأن الجنسية درجة ثانية – إما عن طريق حرمان الجنسية، أو عن طريق التمييز المنهجي ضد المواطنة – ينتمي إلى فئة رفض الفرد كفرد وليس مجرد رفضه كمواطن في مجتمع معين.
الادعاء المضاد: من المستحيل الدفاع عن فكرة أن المجتمع المنصف هو مجتمع دون مواطنين درجة ثانية وأن مفهوم المواطنة فيه على قدم المساواة. الأطفال مواطنون، وحتى في الدول الديمقراطية الحساسة لحقوق الأطفال، لا يوجد من يدعي من أجلهم، على سبيل المثال، حق التصويت والانتخاب لمؤسسات المجتمع. يحرم أيضا السجناء من الحقوق المدنية في عدد كبير من الدول، مثل الحق في التصويت في البرلمان، دون أن ينظر، في ظاهر الأمر، على أنه يستبعد الدولة من اعتبارها منصفة. الصياغة التي تنص على أن دولة غير منصفة لديها جنسية درجة ثانية، هي صياغة كاسحة بحيث لا تكون مفيدة.
التعليل ضد مواطنة درجة ثانية لأسباب تتعلق بكرامة الانسان، كان، مواطنة من هذا النوع تفسر، ضمن جملة أمور، على أنها وصم شخص أو جماعة بأنهم غير ناضجة. أحد التفسيرات، انها مجموعة غير بالغة، والذين لا يمكنهم يكونوا أصحاب مسؤولية عن تقرير مصيرهم، يرد ذلك في اتخاذ القرارات العامة. لكن الأطفال، بحكم تعريفهم، مدرجون في فئة غير البالغين. ما يمنع اذلالهم هو حقيقة أنه ينظر إليهم على انهم في طريقهم نحو النضوج. معاملة البالغ كطفل هذا استعلاء؛ معاملة البالغ كطفل هذا اهانة؛ معاملة الطفل كطفل ليس إهانة. الأم التي لا تقبل حقيقة أن ابنها بالغا وتراه طفلا أبديا، هل هي أيضا مهينة؟ نعم ولا. نعم، لأنها لا تقبله كشخص بالغ مسؤول عن أفعاله؛ لا، لأنها تقبله على أنه غير مقيم. والدالة الأساسية في الإهانة هي الرفض.
مارشال، في كتابه المؤثر “المواطنة والطبقة الاجتماعية”، قال بأنه يجب تفكيك مفهوم المواطنة إلى ثلاث مركبات: مواطنة قانونية ومواطنة سياسية ومواطنة اجتماعية. يتميز كل مكون بمظاهر الحقوق والاستحقاقات. المواطنة القانونية هي مجموعة الحقوق التي يتمتع بها المواطن في قضايا قانونية. تشمل هذه الحقوق، في المقام الأول، الحقوق المتعلقة بحالته الشخصية. المواطنة السياسية هي المواطنة التي يتمتع فيها حامل الجنسية، بالإضافة إلى الحقوق القانونية في الأحوال الشخصية، بحقوق سياسية، على سبيل المثال، الحق في التصويت والانتخاب. المواطنة الاجتماعية يتم تعريفها من خلال الحقوق الاجتماعية. تشمل هذه الحقوق حقوق المواطن في خدمات الرعاية الاجتماعية، على سبيل المثال، الحقوق في الخدمات الصحية، التعليم، العمل، والمعاشات التقاعدية العامة. يقول مارشال إن هذا التقسيم الثلاثي يتوافق أيضا مع التطور التاريخي لمفهوم المواطنة في الدولة القومية. في القرن الثامن عشر، تم التركيز على المواطنة القانونية، ورسخ شعار “المساواة أمام القانون”. في القرن التاسع عشر تم التركيز على المواطنة السياسية وعلى شعار “رجل واحد، صوت واحد”. بينما في القرن العشرين، برز الدعاوى للمواطنة الاجتماعية كمطلب سياسي مركزي.
ينص الادعاء القديم على أن المواطنة، التي لا تشمل، بطريقة شاملة، مكونا اجتماعيا، هي جنسية درجة ثانية. طبقات التي تفتقر إلى قوة اقتصادية وقوة اجتماعية ليسوا مواطنين كاملين، حتى من حيث المواطنة القانونية والسياسية. هم ليسوا متساوين أمام القانون وقدرتهم على ان يتم انتخابهم، على سبيل المثال، صغير جدا. المواطنة بموجب مكوناتها الأولية لا تضمن الانتماء الكامل للمجتمع. بين المعوزين اقتصاديا، وبين أولئك الذين يطلق عليهم في أيامنا “الطبقات الدنيا”، هناك ظواهر انفصال اجتماعي، غير مبالا تصل حتى العداء، على الرغم من أنهم بشكل رسمي، مواطنون. يرافق الادعاء القديم ادعاء ليس أقل قدما منه، بحسبه تعتبر المواطنة ممتلك عام (Public Good)، الذي ينبغي أن يستفيد منه الجميع. لذا، هناك ما يبرر الاستثمار -لأسباب تتعلق بالعوامل الخارجية للنظام الاجتماعي (Externalities) -في كل ما قد يعزز المواطنة الاجتماعية. آدم سميث، المدافع المتطرف عن السوق الحرة، يعتقد أنه ينبغي توفير التعليم (المهني) مجانا للطبقة العاملة، لاعتبار أن هذه الطريقة وحدها هي التي تضمن انضمام أطفال هذه الطبقات إلى المجتمع كمواطنين كاملين. بالنسبة له، المواطنون الكاملون هم مواطنون منتجون.
حتى أولئك الذين يعارضوا ومعارضون للضرائب يعتقدون أنه ينبغي تحصيلها لتمكين المواطنين درجة ثانية من أن يصبحوا مواطنين درجة أولى. أصبحت المواطنة الاجتماعية رصيدا اجتماعيا، وبالتالي، حجة هامة لصالح دولة الرفاه. هذه ليست حجتي. حجتي بفضل المكون الثالث للمواطنة ليس ذرائعي. إذا شملت المواطنة الاجتماعية الخدمات الصحية، على سبيل المثال، فإن مبرر توفيرها ليس أن الشخص المريض قد لا يكون شريكا نشطا في المجتمع، وله مصلحة اجتماعية عامة في جعله يتمتع بصحة جيدة. المبرر هو أنه من الجيد في حد ذاته جعل الشخص المريض بصحة جيدة.
في هذه المسألة وفي مسائل قريبة، سأفصّل حيث سوف أتعامل مع مسألة العلاقة بين مجتمع منصف ومجتمع الرفاه. هنا، أود أن أضيف بعض الملاحظات على هامش مشكلة المواطنة الاجتماعية. وبشكل أكثر تحديدا، أود التركيز على الملاحظات المتعلقة بالجانب الاقتصادي للمواطنة الاجتماعية.
كما ذكر، فإن الادعاء القديم يتعلق بحقيقة أن التفاوت الاقتصادي الشديد يمنع المواطنة الكاملة لأفراد الطبقات الدنيا في السلم الاقتصادي والاجتماعي. بمعنى، يضعف انتمائهم غير الرسمي للمجتمع وهذا أمر ملموس، بحق، مرفوضون لجوانب هامة ويتم دفعهم إلى مواطنة درجة ثانية. لكن، من المهم أن نشير إلى وجود مشكلة تتعلق تحديدا بجنسية أولئك الذين من المفترض أن يكونوا مواطنين بشكل واضح في المجتمع، وهم متواجدون في قمة السلم الاجتماعي، في حين أن جنسيتهم هي جنسية مشروطة. يرتبط الشرط باستعدادهم لقبول الجنسية الاجتماعية لأفراد الطبقات الأخرى. سوف أوضح.
الطابع الدولي لرأس المال في الوقت الحاضر هو كالآتي، أنه يسمح بهروبه السهل والسريع من دولة إلى أخرى. إذا، على سبيل المثال، يتصدر نظام ديمقراطي اجتماعي في فرنسا ويعتزم زيادة المساواة الاقتصادية، الرد الفوري هو هروب المال، مما يجبر الحكومة على أن تكون “أكثر براغماتية وأقل عقائدية”. مع المال، يفر المواطنون أيضا أحيانا، حيث يسهل رؤية المواطنين الأثرياء في السويد يطلبون ملاذا ضريبيا في إنجلترا تاتشر. تجربة النظام لزيادة المواطنة الاجتماعية في الدولة، مقيدة بمواطنيها الاقتصاديين للدولة، الذين تكون مواطنتهم مشروطة. ويعكس الشرط بشكل رئيسي الحد الأعلى على ما هم مستعدون لدفعه كضرائب للمجتمع.
أقترح إضافة عنصر رابع لمفهوم المواطنة: مواطنة رمزية. بمعنى، الانتماء إلى رأس المال الرمزي للمجتمع. لا يتميز هذا العنصر، بشكل عام، بمفاهيم الحقوق ويمر في بعض الأحيان من خلال الحقوق الجماعية في إطار المجتمع. مثلا، حق الأقلية في الاعتراف بلغتها كلغة رسمية في الدولة.
ادعاء: مجتمع منصف لا يحرم مجموعة مواطنين من أي مواطنة رمزية. لا يوجد لديه على المستوى الرمزي مواطنون درجة ثانية.
المطالبة بعدم مصادرة المدنيين ومجموعات المدنيين من البعد الرمزي للدولة قد تكون بعيد المدى؛ كل ذلك تبعا لخطورة معنى تعبير “مصادرة”. في مجتمع غير متجانس دينيا، قد يأتي في المطالبة بالفصل بين الدين والدولة. على سبيل المثال، في دولة مثل بريطانيا، سيتطلب شرط عدم المصادرة من رئيس الدولة، الملكة، لن تكون رئيسة الكنيسة الأنجليكانية. كثير من المواطنين في بريطانيا ليسوا أنجليكانيين، واضفاء البعد الانجليكاني إلى رمز مركزي للدولة، أي الملكية، يطردهم الناس من الطبقة الرمزية للمجتمع ويجعلهم مواطنين درجة ثانية. هذا الشرط يقف ضد الادعاء بأن البعد الرمزي للمجتمع، في حالة الدولة، مطلوب، من بين أمور أخرى، خلق تضامن عميق بين المواطنين ودولتهم. للقيام بذلك هناك حاجة إلى رموز قوية لإثارة الروحانية والعاطفية، وهذا ليس منتجا اصطناعيا بل منتجا تاريخيا معقدا. في حالة بريطانيا، فإن العلاقة بين الدولة والكنيسة هي نتاج تاريخي، وفصله سيؤدي إلى إفراغ رموز قدرتهم على تحفيز الناس على التحرك. على سبيل المثال، الاجراء اللازم في أوقات الأزمات مثل الحرب.
ثمن إفراغ الرموز قد يؤدي إلى تفريغ العاطفة والتضامن عند معظم المواطنين البريطانيين بمملكتهم، وقد يتسبب في إضعاف كبير في حيوية المجتمع. محاولة مصطنعة لخلق شراكة في رموز الأقلية، على حساب التضامن الرمزي للأغلبية، يخطئ الغرض الذي من أجله وجدت الحاجة لبعد رمزي للمجتمع. الانتماء إلى الدولة ليس كالانتماء إلى شركة تأمين. قد تكون لها أيضا علامة تجارية ونغمة اشعارية لبرنامج في الإذاعة. لكن العلامة التجارية ليست رمزا للدولة. النغمة الاشعارية لبرنامج في الاذاعة ليس نشيدا وطنيا. السؤال، إذن، حسب الادعاء المضاد، هو الثمن الذي يتعين دفعه لمصادرة المواطنين من البعد الرمزي. يتفاقم السؤال من خلال حقيقة أن الرموز التي توحد الأغلبية وتخلق قدرا كبيرا من التماهي مع الدولة تصاغ إلى حد كبير ضد أقلية تقع ضمن إطار الدولة. هناك قدر كبير من الحقيقة في الملاحظة الذكية، هناك القليل من الحقيقة في الملاحظة البارعة التي تشير إلى أن الأمة هي مجموعة من الأشخاص الذين يتشاركون خطئا فادحا فيما يتعلق بماضيهم العرقي وكراهيتهم لجيرانهم. عندما يكون الجيران الذين يكرهونهم مقيمين داخل الدولة القومية، ورموزهم موجهة ضدهم، تصبح قضية الرموز ذات أهمية خاصة.
مبدأ المواطنة الرمزية في مجتمع منصف يجب أن يكون، على الأقل، المبدأ التالي: يحظر على المجتمع المنصف أن يطور ويحتفظ برموز على المستوى المؤسساتي موجهة بشكل صريح أو ضمني ضد بعض مواطني الدولة.
الاذلال والكرامة بين المجتمع والسياسة: بروفيسور أفيشاي مرغليت، أستاذ الفلسفة في الجامعة العبرية، القدس. المقال منشور في مجلة نقابة المعلمين “بانيم، وجوه”، العدد 8 للعام 1999 (الرابط: https://bit.ly/2XkHSHF ) المادة هي فصل من كتاب مرغليت بعنوان (The Decent Society). نشرت النسخة الإنجليزية من قبل جامعة هارفارد في 1996، النسخة العبرية متوفرة لدى (עם עובד, החברה ההגונה)